هل يعد حق (التنظير) حكراً على جنس الرجال دون النساء؟
أم أنه حق مشروع لكلا الجنسين؟
هل (التنظير) ملكة تتلاءم مع التركيب البنيوي والنفسي والعقلي للرجل فقط دون النساء؟
وهل (التنظير) حرفة لايجيد صناعتها إلا الرجال,وليس للنساء فيها جمل ولاناقة؟
*مفهوم التنظير:
جاء في لسان العرب لابن منظور المصري,أن (النظر) محركة:"الفكر في الشيء تقدره وتقيسه",والتناظر :"التراوض في الأمر".
وإجمالاً فأعني بمصطلح (التنظير) هنا مايمكن أن ألخصه في العبارة التالية :"هو القدرة على صناعة النظرية".
*ابعاد بين الرجل والمرأة:
المرأة والرجل كلاهما (إنسان) من وجهة نظر القرآن الكريم,ولايوجد ادنى تفاضل
في درجة الإنسانية بينهما,بل يقطع القرآن بالمساواة التامة بين الرجل والمرأة,إذ
اعتبرهما من نفس واحدة.
يقول تعالى: (ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها
زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء).
فالمرأة من الرجل وجزء منه,ولاتقوم الحياة تكويناً إلا عليهما معاً,وأي استقلالية
لأحد منهما دون الآخر يعني ضياع وخراب البشرية بأسرها,لأن الله سبحانه وتعالى
جبل الحياة كلها على أساس الزوجية منذ أصل الخلقة والتكوين,وهذا يشمل كل
شيء من مخلوقاته,قال عز من قائل ك ( وخلقناكم ازواجاً),وقال : (ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون),فالذكر والأنثى شريكان في بناء الحضارة الإنسانية,وباتحادهما يتحقق
التكامل الإنساني المطلوب.
ولقد ساوى الله سبحانه وتعالى بينهما في الخلقة,فقال:
( ايحسب الإنسان أن يترك سدى.ألم يك نطفة من مني يمنى.ثم كان علقة فخلق فسوى.فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى).
وقد أقسم الله بالأنثى كما أقسم بالذكر,قال تعالى مقسماً:
(وماخلق الذكر والأنثى),وساوى بينهما في الكسب
والملكية,فقال تعالى : (للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن).
وساوى الله سبحانه وتعالى بينهما -أيضاً- في مسألة التكليف الشرعي منذ أول يوم خلقت فيه البشرية,قال تعالى :
(وقلنا ياآدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغداً حيث شئتما ولاتقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين).
وساوى بينهما –ايضاً- في الحقوق والواجبات والآداب,قال تعالى: (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف).وقد شبههما الباري بأكثر الأشياء
التصاقاً بالجسم في ظل الحياة الزوجية وهو اللباس,ليدل على مدى التلازم الكبير
بينهما,فقال : (هن لباس لكم وانتم لباس لهن).
ولم يرعو القرآن في تبيان أنه لامفارقة بين الرجل والمرأة قيمة العمل,قال تعالى : (ومن عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب),وقال أيضاً: (فاستجاب لهم ربهم أني لااضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى).وجعل الله
معيار التمايز بين ابناء البشرية ذكوراً وإناثاً على أساس مقدار التقوى,قال تعالى :
(ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن اكرمكم عند الله اتقاكم).وغيرها من أوجه المساواة العديدة
التي صرح بها القرآن الكريم بين طيات صفحاته الشريفة.
*ضرورة توزيع الأدوار والمهام:
كنتيجة لاختلاف البناء التكويني والنفسي للمرأة عن الرجل (وليس الذكر كالأنثى),أصبح لزاماً القيام بعملية توزيع الأدوار والمهام بينهما,كدور القوامة الذي أنيط بالرجل لتلائمه مع بنيته وتركيبته,قال تعالى : (رجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم),مع أن "الظاهر من الآية أن المراد فيها قوامية الرجال على النساء في الأسرة فقط وباعتبار علاقة الزوجية فقط,بحيث لامنافاة بين كون الزوج قيماً على المرأة باعتباره زوجاً,وتكون هي قيمة عليه باعتبار آخر ككونها رئيسة لجمعية خيرية أو سياسية أو نقابية هو عضو فيها,أ كونها رئيسة للدولة".
وأعطيت المرأة دور الحمل والرضاعة والتربية على وجه أخص من الرجل,لأنها الأكفأ على القيام بهذا الدور لما تتمتع به من مؤهلات فسيولوجية وعاطفية لاتتحصل للرجل لأداء هذه المهمة العظيمة,قال تعالى : (ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهناً على وهنٍ وفصاله في عامين),وقال جل ثناؤه: (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة),وهذه الأدوار التقاسمية ضرورة كونية لانسجام وظائف الحياة وتلائمها لكلا الجنسين.
*فوارق الذكاء بين الرجل والمرأة:
"المرأة كالرجل توازيه في إنسانيته وتشاركه في القيام بدور الخلافة وتحمل مسؤولية عمارة الأرض,وقد منحها الله تعالى كالرجل نعمة العقل وقدرة الإدراك والمعرفة.ولاتختلف عنه في كونها تملك استعداداً وقابلية تامة لإدراك الحقائق والمفاهيم,وتملك – كما الرجل – القدرة على العلم والتعلم والسير في هذا الطريق الى أقصى غاياته.
بل ان دماغ النساء يحتوي على خلايا الدماغ المسماة العصبونات بنسبة تزيد بحوالي 10% عن دماغ الرجال,بالرغم من أن الرجال بصفة عامة اكبر حجماً من النساء وادمغتهم كذلك اكبر حجماً".
ويقول الدكتور فاخر عاقل إن :"التفاوت في حجم الدماغ لايؤثر في مستوى فعاليته,وإلا فدماغ الفيل يزن حوالي 6كيلو غرامات بينما دماغ الإنسان لايزن اكثر من 1300 غرام".
ويقول الدكتور عطوف محمود ياسين :"تتأثر الفوارق الفردية بالذكورة أوالأنوثةزوقد دلت البحوث التجريبية ان النمو العقلي عند الإناث اعلى منه عند الذكور حتى سن المراهقة,وخلال فترة المراهقة يزداد الذكور عن الإناث في النمو,ثم تتقارب المستويات عند الجنسين في النمو العقلي وبالذات في الذكاء.
والفوارق الفردية عموماً هي أوسع واكبر منها عند الإناث.
وبرهنت الدراسات أن الذكور يتفوقون على الإناث في العلوم الطبيعية والرياضيات,والنواحي الميكانيكية والرياضية,ويتفوقن الإناث على الذكور في القدرات اللغوية وفي عملية التذكر".
*الحياة تقاسمية بين الرجل والمرأة:
ومانريد أن نلخص إليه,إن الحياة تقاسمية بين الرجل والمرأة,وإنما مؤهلان بنفس الكفاءات والقدرات والإستعدادت,ولكن هذه الملكات قد تبرز عند أحدهما في جانب وتغيب في جانب آخر.والتمييز في أداء الوظائف الحياتية ضرورة تفرضها الفطرة والبناء التكويني والنفسي للجنسين,وهذا الاختلاف يمثل قمة التكامل.
وبهذا نعرف أن مؤهلات (التنظير) من استعدادات عقلية وغيرها متوفرة عند المرأة كما هي متوفرة عند الرجل.
*الرجل يتسلط على المرأة عبر التنظير لها:
ليس صحيحاً أن المرأة دائماً وأبداً هي الأقدر على تشخيص امورها واحتياجاتها,تحت مسمى "إنك لن تعرف الحيض حتى تحيض"!! فهناك رجال – وعلى رأسهم العلماء والنخبة المثقفة – استطاعوا أن ينظروا للمرأة,وأن يمنهجوا لها عن طريق السعادة الذي يريد الإسلام المقدس ان تسلكه وتسير على خطاه,وبالمقابل ايضاً هناك نساء استطعن أن ينظرن لمشاكل وقضايا الرجل وأزماته بدقة بالغة,بحيث يستعصي على بعض الرجال عرضها ومناقشتها بنفس النسوية,وشغلها بتوافه الحوارات كالقهر الذكوري,وأهملت المشكلات الجوهرية التي بحاجة الى تنظير,وإبرام حلول ناجعة لها.
*النظرية بين القبول والرفض:
الحقيقة كل الحقيقة إن المرأة تمتلك الحرية في هضم النظرية وقبولها,أو الرفض القاطع لها.لقد ضرب الله مثلاً للمؤمنات في هذا المضمار,امرأة فرعون آسيا بنت مزاحم,هذه المرأة المؤمنة التي رفضت ماكان زوجها الطاغوت يسعى الى ترسيخه في المجتمع,وينظر اليه ليل نهار.
هذا الطاغية (فرعون) الذي ادعى الألوهية (فقال أنا ربكم الأعلى),وليس هنالك أعلى من الرب في التنظير لشؤون عباده!
لكن زوجه آسيا وقفت موقف الشجعان,ورفضت كل مزاعمه وتنظيره,وضربت به عرض الحائط,فقال تعالى: (وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين).
وفي المقابل يطرح القرآن الكريم نموذجاً آخر أيضاً,زوجتا نوح ولوط –عليهما السلام- ورفضهما للعقيدة الرسالية التي جاءا بها,مع العلم أن الأنبياء (عليهما السلام) يجب أن يكونوا الأقدر على التأثير في الناس وسياستهم,لكنهما (عليهما السلام) لم يستطيعا التأثير على أقرب الناس إليهما (زوجاتهما),وهذا يعكس جلياً إن المرأة تتمتع بحرية فكرية تخولها القبول والرفض لكافة النظريات والآراء,قال تعالى:
(وضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيباً وقيل ادخلا النار مع الداخلين).
*خلاصة
القدرة على صناعة النظرية ملكة تتحصل عند الجنسين,ولا فرق بين الرجل والمرأة في ذلك,ماداما يتمتعان بالوعي الكافي الذي يأهلهما لصناعة النظرية وفق اسسها المعتبرة,والأنوثة لاتسلب المرأة الأهلية في التنظير وإعمال الفكر والثقافة,ولاتجعلنا نتجنى عليها بالنظرة الساذجة!!وبأنها أنف كليوبترا فقط وفقط.
ولامجال لاحتكار (التنظير) مادامت اداة صناعة العلم والنظرية,وهي العقل موجودة لدى الجنسين بنفس القدرات والكفاءات تقريباً,وأن مايعرف بـ (السلطوية الذكورية) مجرد شعار الأسلوب والمنهج.